أ - أكل الحشرات.
للفقهاء في أكل الحشرات اتجاهان:
الاتجاه الأول: هو حرمة أكل جميع الحشرات، لاستخباثها ونفور الطباع السليمة منها، وفي التنزيل في صفة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ }الأعراف-157.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
واستثنوا من ذلك الجراد فإنه مما أجمعت الأمة على حل أكله، لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال).
وزاد الشافعية والحنابلة الضب، فإنه من الحشرات التي يباح أكلها عندهم، مستدلين بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) قال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ينظر.
وذهب الحنفية إلى حرمته على تفصيل ينظر في كتبهم.
وقد استثنى الحنابلة أيضا اليربوع والوبر، فقالوا بإباحة أكلها، وزاد الشافعية عليهما أم حبين، والقنفذ، وبنت عرس، فيباح أكلها.
الاتجاه الثاني: حل جميع أصناف الحشرات، وهو مذهب المالكية، وهو في الأصل إحدى الروايتين فيه، ثم انعقد المذهب عليها، وهو ما نختاره، والله أعلم.
قال الطرطوشي: انعقد المذهب في إحدى الروايتين وهي رواية العراقيين، أنه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود، وما بين ذلك إلا الخنزير فهو محرم بالإجماع.
وقد ذهب بعض المالكية إلى حرمة الحشرات والهوام، كابن عرفه والقرافي، ولعلهم أخذوا بالرواية الأخرى في المذهب.
ثم إن القول بحل جميع الحشرات ليس على إطلاقه، فإنهم قد اختلفوا في بعضها وذلك كالفأر فإنهم اختلفوا فيه على قولين:
الأول: أنه يكره إن كان يصل إلى النجاسة بأن تحقق أو ظن وصولها إليها، فإن شك في وصولها إليها لم يكره، وكذلك إن تحقق عدم وصوله إليها من باب أولى، وقد شهر هذا القول الدردير والخرشي والعدوي.
الثاني: أنه يحرم أكل الفأر مطلقاً، أي سواء كان يصل للنجاسة أو لا، وشهر هذا القول الدسوقي، ونقل الحطاب عن ابن رشد استظهار التحريم.
وكذا جواز أكل الحية عندهم مقيد بأن يؤمن سمها، إلا أن يكون بالآكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمها، وقال ابن حبيب: يكره أكلها لغير ضرورة.
وذكر الأجهوري حرمة أكل بنت عرس.
وللمالكية قول بكراهة العقرب على خلاف المشهور في المذهب.
ب - الدود.
تناولت كتب الفقه لغير المالكية تفصيلات عن الدود إيجازها فيما يلي:
قال الحنفية: إن دود الزنبور ونحوه قبل أن تنفخ فيه الروح لا بأس بأكله، لأنه ليس بميتة، فإن نفخت فيه الروح لم يجز أكله، وعلى هذا لا يجوز أكل الجبن أو الخل أو الثمار بدودها.
وقال المالكية: إن مات الدود ونحوه في طعام وتميز عن الطعام أخرج منها وجوباً، فلا يؤكل معه، ولا يطرح الطعام بعد إخراجه منه، لأن ميتته طاهرة.
وإن لم يتميز بأن اختلط بالطعام وتهرى طُرح الطعام، بعدم إباحة نحو الدود الميت به وإن كان طاهراً، فيلقى لكلب أو هرة أو دابة، إلا إذا كان الدود غير المميز قليلاً.
وإن لم يمت في الطعام جاز أكله معه.
هذا كله إذا لم يكن الدود ونحوه تولد في الطعام -أي عاش وتربى فيه-، سواء أكان فاكهة أم حبوباً أم تمراً، فإن كان كذلك جاز أكله معه عندهم، قلّ أو كثر، مات فيه أو لا، تميز أو لم يتميز.
ومعنى ذلك أنهم يلحظون فيه حينئذ معنى التبعية.
وقال الشافعية والحنابلة: يحل أكل الدود المتولد في طعام كخل وفاكهة بثلاث شرائط:
الأول: أن يؤكل مع الطعام حياً كان أو ميتاً، فإن أكل منفرداً لم يحل.
الثاني: ألا ينقل منفرداً، فإن نقل منفرداً لم يجز أكله، وهاتان الشريطتان منظور فيهما أيضاً إلى معنى التبعية.
الثالثة: ألا يغير طعم الطعام أو لونه أو ريحه إن كان مائعاً، فإن غيّر شيئاً من ذلك لم يجز أكله، ولا شربه لنجاسته حينئذ.
ويقاس على الدود السوس التولد في نحو التمر والباقلاء إذا طبخا، فإنه يحل أكله ما لم يغير الماء.
وكذا النمل إذا وقع في العسل فطبخ.
وقال أحمد في الباقلاء المدود: تجنبه أحب إلي، وإن لم يتقذر فأرجوا، وقال عن تفتيش التمر المدود: لا بأس به، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه أتي بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه......... الأستاذ الدكتور ( البروفيسور )محمد بن عبد الغفار بن عبد الرحمن الشريف .. أستاذ الفقه وأصوله ..كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت