لقد أنعم الله تبارك وتعالى على الانسان بنعمة الزواج واقتضت حكمته بضرورة الاجتماع والاتصال بين الرجل والمرأة حتى يكونا ذرية تتوالد وتتناسل وتعبد الله وتعمر الكون وتحقق السعادة والرفاهية الى ان يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين. ولقد كرم الله الانسان ولم يترك هذاالاتصال الا بضابط ونظام فشرع الزواج وسيلة لذلك ورتب عليه حقوقا وواجبات وجعل عقد الزواج ميثاقا غليظا فقال تبارك وتعالى (...كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى? بَعْضُكُمْ إِلَى? بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) "النساء آية 21" وذلك حتى تتحقق المودة والرحمة والاحصان والاعفاف ليتوالد من ذلك ذرية طيبة ونسل قوي ناتج عن اتصال حلال مبارك من الله تبارك وتعالى بعقد زواج صحيح.
وقد عرف الفقهاء عقد الزواج بأنه "عقد بين الرجل والمرأة لانشاء أسرة تحصينا وسكنا للنفس وطلبا للنسل وتعاونا في الحياة وركناه - كغيره من العقود – الايجاب والقبول وله شروط في العاقدين وفي المحل الذي يقع عليه العقد وتظهر فيه آثاره وان يكون هذا العقد على التأبيد وبموافقة الولي الشرعي".
ولكن في الواقع الحديث نشأت مسميات عديده للزواج وأنواع كثيرة نسمع عنها تارة في وسائل الاعلام ونشاهدها تارة من خلال القضايا في المحاكم الشرعية او عند دوائر الافتاء وهذه المسميات وتلك الانواع نشأت حديثا نظرا للتطور التكنولوجي والانفتاح على الغرب وقلة الوازع الديني وغير ذلك من الاسباب ،كالزواج العرفي وزواج المسيار والمتعه او زواج المسفار او مايسمى بزواج الوشم او زواج الدم او زواج الطوابع او زواج الكاسيت والانترنت كل هذه المسميات منها مايندرج تحت اسم زواج ومنها مالاينبغي ان نصنفه تحت مسمى عقد الزواج .
وعليه فانني وباختصار سأقوم بالتعريف بكل نوع من هذه الانواع وموقف الشرع منها وانني من هذا المنطلق أؤكد ان هذه المسميات او هذه الانواع للاسف منتشره في المجتمعات الاسلامية والعربية بنسب متفاوته ومنها مايندرج تحت الحلال ومنها مايندرج تحت الحرام سواء بفتاوى شرعية من علماء المسلمين او من خلال اعتماد العقد في الاماكن الرسمية كالمحاكم الشرعية والمأذونين الشرعيين.
ولان عقد الزواج عقد فيه رباط مقدس وسماه الله تعالى ميثاقا غليظا يجب على المسلم احترامه والسعي لانشائه طبقا لاحكام الشريعة الاسلامية وفي الاماكن الرسمية وابرامه على ايدي مأذونين متخصصين عالمين بشروط واركان عقد الزواج.
وان اكثر ما ينتشر في المجتمعات الاسلامية والعربية من عقود زواج خارج الاماكن الرسمية المخصصة لابرام عقود الزواج هو الزواج العرفي والذي يطلق على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية في الجهات المختصة بابرام عقود الزواج ويكون في كثير من الاحيان سري وله عدة أشكال منها ماهو حلال ومنها ماهو حرام.
فأما الحلال: فهو العقد المستوفي لأركانه الشرعية وشروطه كالايجاب والقبول ووجود الولي والشهود وتسمية المهر وكافة الاركان والشروط باستثناء انه لم يسجل في المحكمة الشرعية، وهذا العقد صحيح شرعا يحل به التمتع وتتقرر فيه الحقوق للطرفين وللاولاد الناتجه عنهما وكذلك التوارث وقد كان هذا النظام موجود قبل وجود التوثيقات والمحاكم الشرعية.
واما الحرام في الزواج العرفي فيتم بصورتين الاولى: يكتفي فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون ان يعلم بذلك أحد من شهود أو ولي أو غيرهم وهذا للاسف منتشر بين بعض الفئات من الشباب ليجدوا فيه طريقا ملتويا للوصول الى أغراض جنسية محضه مغلفه بأسانيد شرعية خاطئة وهذا زنا والعياذ بالل . وأما الثاني: فهو عقد ايضا يكون سريا بدون اركان او شروط ومحدد المدة لشهر او سنة وطبعا هذا باطل باتفاق العلماء.
وانني ارى في الزواج العرفي المكتمل لاركان وشروط عقد الزواج وبحضور الولي والشهود صحيح شرعا ولكنه مكروه عرفا وممنوع قانونا لما للزواج من أهمية اشهاره ومعرفة الناس به وعدم ضياع حقوق الزوجين في الميراث وهو كمن يصلي بثوب مسروق فصلاته صحيحه والسرقه حرام وعليه عقوبتها، واما صور العرفي الاخرى فهي حرام شرعا وعقدها باطل ويخل بكل المباديء والقيم الروحية ويؤدي الى ضياع الابناء وتشريدهم في المجتمع ولايترتب عليه أي آثار شرعية.
وهناك نوع آخر من الزواج ويسمى زواج المتعة: وهو الزواج الذي يقصد به الطرفان الاستمتاع الجسدي بينهما فترة محدده من الزمان وهذا النوع من الزواج كان موجودا في الجاهلية ولما جاء الاسلام تدرج في الغائه الى ان اعلن الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريمه قطعيا، وهو ايضا يعرف بالزواج المؤقت ويكون العقد فيه معين المدة بيوم مثلا أو شهر ويعين به مهر او اجر ويكون بالتراضي والاتفاق بين الطرفين وله أحكام كعدم وجود مانع شرعي من نسب أو حرمة رضاع بين المتمتعين وعند انتهاء المدة تنفصل المرأة عن الرجل بدون طلاق وتعتد وينسب الولد الناتج عن الزواج لابيه ولكن لايكون التوارث بينهما ولاقسمة بين الزوجات ولانفقه لها وهذا النوع من الزواج يفتي به علماء الشيعه ويجيزوه الاأن السنة وعلماء المسلمين وبالاجماع قالوا بتحريمه يقول د./ النجيمي : "ان نكاح المتعة يحرمه أهل السنة بالاتفاق نظرا للاحاديث الصريحة التي تحرمه".
وهناك زواج آخر يسمى زواج المسيار: والذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها الشرعية كالنفقه والمسكن والمبيت فالزوج يسير لها يوم او يومين مثلا في الاسبوع ولكن العقد يتم بكل اركانه وشروطه ويوثق في الأماكن المخصصة لتوثيق العقود وهذا الزواج وان لم يحقق كثيرا من مقصود الزواج وغايته لكنه مباح مع الكراهية يقول د. وهبة الزحيلي:" شرع الله الزواج لأهداف متعدده منها تكاثرا للنسل والحفاظ على النوع الانساني وانجاب الذريه ومنها تحقيق العفاف وصون الانسان عن التورط في الفواحش والمحرمات ومنها التعاون بين الرجل والمرأة على شئون العيش وظروف الحياة والمؤانسة ومنها ايجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين ومنها تربية الاولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف وزواج المسيار يحقق بعض هذه الاهداف لا كلها فالزوجه تتنازل عن حقها في النفقة والمبيت ان كان للزوج امرأة اخرى والغرض الظاهر منه الاستمتاع اما بسبب واضح من الرجل لزيادة رغبته في المتعة واما من المرأة التي فاتها قطار الزواج لاسباب عديدة.
وحكم هذا الزواج في رأي صحيح لاستكمال أركانه وشرائطه المطلوبه شرعا من رضا الولي والشهادة والتي يكون بها الاعلان، وانصح المرأة هنا ان تحرص على تسجيل هذا العقد في المحكمة الشرعية اذ قد يموت الزوج فيطلب منها العدة وتستحق الميراث وقد تغير رأيها فتطالب بحقها في النفقة أو القسم الواجب بين الزوجات وهذا لايحكم به الابوجود عقد مسجل.
اما زواج المسفار: بحرف الفاء فهو زواج الرجل أو المرأة اذا ارادا السفر خارج بلدهما وينتهي بانتهاء السفر والعودة أو هو لمن يتزوج في سفره بنية الطلاق عند انتهاء السفر والعودة لبلده، وهذا الزواج محرم كالمتعة فكل زواج اتفق فيه الطرفان على تحديد زمن معين له ينتهي بانتهائه فهو زواج محرم وباطل اما اذا لم يحدث فيه اتفاق على أجل معين ينتهي به وانما نية كل واحد من الزوجين وغرضه هو مدة السفر فحسب دون الافصاح أي واحد منهما للاخر فهذا يسمى زواج بنية الطلاق وأكثر أهل العلم على تحريمه ايضا.
اما زواج الكاسيت: فهو موضو حديثة لتبرير جريمة الزنا وفيه لايحتاج الطرفان الى كتابة ورقة أو شهود أو غيره من أركان العقد الصحيح فيقوم الشاب او مايسمى بالزوج بترديد عبارة بسيطه كأن يقول للبنت أريد أن اتزوجك فترد عليه بالقبول بتزويج نفسها له ويتم تسجيل هذا الحوار البسيط على شريط كاسيت وبعدها يمارس كل منهما حقوقه الزوجيه كأي زواج عادي وهذا حرام شرعا وباطل وليس بعقد زواج وان العلاقة بينهما محرمة وزنا.
أما مايسمى زواج الوشم: فيقوم الزوج والبنت بالذهاب الى أحد مراكز الوشم ويقومان باختيار رسم معين من الوشم فيرسمانه على ذراعيهما أو على أي مكان يختارانه من جسميهما ويكون هذا الوشم بمثابة عقد الزواج وبموجب هذا الوشم يتحول الزوج والبنت الى زوجين لهما الحق في ممارسة كافة الحقوق الزوجية وهذا حرام شرعا وتمرد واضح على أحكام الشريعة الاسلامية بل هو كفر بعينه ويجب ان يعاقبا على جريمة الزنا والعياذ بالله.
اما زواج الطوابع: فهذه آخر صيحة من صيحات الزواج المنتشرة بين الشباب ويتم عبر اتفاق الطرفين على الزواج بأن يشتريا طابع بريد عادي ويقوم الزوج بلصق الطابع على جبينه وبعد عدة دقائق يعطي الطابع للبنت التي تقوم بدورها بلصق نفس الطابع على جبينها وبذلك تصبح زوجته وسط فرحة وتهنئة من الاحباب والاصدقاء ويساعدوهما على تحمل تكاليف الزواج (الزنا) عبر توفير مكان لهما ليلتقيا فيه بخصوصية بعيدا عن العيون .
وهناك نوع آخر من الزواج يسمى زواج الدم والذي يقوم فيه الزوج بسحب نسبة قليلة من دمه عن طريق حقنه "ابرة" ثم يقوم بحقن الزوجه بها ثم يسحب قدر من دمها مماثلا ويحقن به نفسه وبذلك تنتهي مراسم الزواج وتصبح زوجته على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يعتقدا بذلك وهذا حرام شرعا ومافعلوه ليس بعقد زواج.
ان الواقع يتحدث عن هذه الانواع من الزيجات المحرمة وكما يبدو ان الموضه في تطور لظهو انواع أخرى طالما نسمع لمفتين يطوروا رؤيتهم وفتاواهم طبقا للمسلسلات الماجنة والافلام الخليعة واستيراد القيم والمباديء الفاسدة من الغرب القائمة على المادية.
وان احصائية واحدة اطلعت عليها في كتاب علاقات مشبوهة في مسميات الزواج المعاصر ذكرت أن حوالي 14 الف قضية مرفوعة أمام المحاكم الشرعية في العالم الاسلامي والعربي لاثبات البنوة من هذه النوعيات من الزواج فنحن اذن أمام مشكلة حقيقية نحتاج لعلاجها ومواجهتها خاصة بين فئة الشباب في الجامعات والمعاهد والكافيهات وغير ذلك. وان نمد يد العون بالنصح والارشاد عن طريق وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة والمرئية وعن طريق دوائر الارشاد والاصلاح الاسري لنتفادى انتشار هذه الزيجات المحرمة. نسأل الله ان يجنبنا الشبهات والفتن ماظهر منها وما بطن.
................................................
الكاتب: القاضي الدكتور/ ماهر خضير
قاضي المحكمة العليا الشرعية –فلسطين