منتدى زانة الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ( زانة الثقافي )إسلامي-علمي-تربوي-ثقافي-منوع_admin mahmoud ziad
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

  العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن ....

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin mahmoud ziad
Admin



المساهمات : 632
تاريخ التسجيل : 19/09/2011
العمر : 59

 العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن .... Empty
مُساهمةموضوع: العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن ....    العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن .... Emptyالسبت أكتوبر 15, 2011 6:23 am

المسألة التي نحن بصددها تتلخّص صورها في الآتي:
أ- أنْ يُعرف في شخص أنه إذا رقى أودعا لمريض أو قرأ عليه شيئاً من القرآن شفي بإذن الله تعالى ، ولكنه لم يتخذ عيادة ولم ينقطع للتطبيب أو يفرض جعلاً وأجراً على طالب ذلك فيأتيه الناس يطلبون إليه أن يقرأ لهم استشفاء بقراءته فيجيب أو يمتنع .
ب - أن يقرأ الإنسان على نفسه ـ لمرض أو عين أو سحر أو فتورـ شيئاً من القرآن كثيرٍ أو قليلٍ ، آياتٍ معينةٍ أو مطلقةٍ ، أو يرقي نفسه بشيء من القرآن أو الأدعية النبوية أو المأثورات السُنّيّة فيشفى بإذن الله تعالى .
ج - أنْ يدّعي إنسان أنه صاحب علم بالتطبيب والمعالجة بالقرآن ، وأنه يستطيع أن يعالج الناس بالقرآن ، كما يعالج الأطباء الناس بعلوم الطبّ، فيمارس هذا الشخص التطبب كما يمارسه الأطباء فينقطع للتطبيب بالقرآن ، ويتخذ داراً أو محلاً لذلك كما يتخذ الأطباء العيادات ، ويجعل على زوّاره ممن يأتيه طالباً التداوي بالقرآن أجراً مفروضاً ، ورسماً معلوماً ، فيمتهن التطبيب بالقرآن ويتخذه حرفة ومهنة ووظيفة تدرّ عليه المال.
أولاً: حكم الصورة الأولى:
أما الصورة الأولى، وهي صورة أن يعرف المرء أنه مطبب يرضى به الناس ويعرف عندهم بالاستقامة وظهور التقوى والصلاح فيقصدونه ليقرأ عليهم يطلبون التطبب على يديه؛ فهذا لا إشكال فيه شرعاً وذلك للآتي:
1- حديث عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال: " أرقيها بكتاب الله " [1].
2- حديث جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي وكانت عند آل عمرو بن حزم رقية يرقون بها من العقرب ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوها عليه وقالوا: إنك نهيت عن الرُّقى ، فقال : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) [2]. وفي هذا الحديث دليل على جواز السعي إلى من عرف أنه يستشفى بقراءته أو برقيته إذا كانت رقيته صحيحة شرعية. فإن آل عمرو بن حزم كانوا معروفين بذلك فأقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صحت عنده شرعاً الرقية التي كانوا يرقون بها .
3- حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: " كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ! كيف ترى في ذلك؟ فقال: ( أعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقي مالم تكن شركاً ) [3] . وهذا أيضاً إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لعوف بن مالك أن يرقي من استرقاه مالم تكن الرقية شركاً.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك بالمرضى فكان يرقيهم طلباً لشفائهم عليه الصلاة والسلام ، ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ) [4]
5- الإجماع الذي نقله الحافظ ابن حجر عن العلماء في جواز الرقية بشروطها حيث قال : " وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط :
الأول: أن تكون بكلام الله أو بأسماء الله وصفاته أو بالأدعية النبوية.
الثاني : أن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه.
الثالث: أن يُعتقَد أن الرقى لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى([5]).
أن يطبب المرء نفسه فيقرأ عليه شيئاً من القرآن أو يرقي نفسه بنفسه ، فهذا لا إشكال فيه شرعاً
حكم الصورة الثانية :
وهي أن يطبب المرء نفسه فيقرأ عليه شيئاً من القرآن أو يرقي نفسه بنفسه ، فهذا أيضاً لا إشكال فيه شرعاً ، وذلك لما يلي :
1-حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن ) [6].
2- حديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث ، قالت: فلما اشتدّ وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها " [7].
3- ما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: " إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحيفة وليغسلها بماء السماء وليأخذ من امرأته درهماً عن طيب نفس منها فليشتر به عسلاً فليشربه كذلك فإنه شفاء " [8].
ففي الأخبار الثلاثة أنّ المرء لا يمتنع من معالجة نفسه وتطبيبها بالقرآن أو بنوع رقية شرعية على ذات الشروط التي نصّ عليها العلماء ونُقل الإجماع عليها.
وعلى هذا فلا إشكال في هاتين الصورتين شرعاً .
حكم الصورة الثالثة : وهي صورة احتراف التطبيب بالقرآن :
وهي في جميعها تتخذ العيادات القرآنية .والتحقيق أن هذه العيادات القرآنية على قسمين:
القسم الأول: العيادات القرآنية البحثية :
وهي عيادات يديرها مجموعة من الباحثين في الطب النبوي ، ليعقدوا المقارنات بينه وبين الطب الحديث ، لإظهار ما في الطب النبوي من حلول ومعالجات وشفاءات بفضل الله تعالى ومنِّه وكرمه، وما له من الميزة والعلو على الطب المادي ، مثل العيادات المتكاملة التي أنشأها ويديرها المركز العالمي لأبحاث الإيمان.
فهذه العيادات طبيعتها بحثية ومنافع إنشائها وإيجادها كثيرة ، ومفاسد التطبيب فيها ضعيفة ضئيلة في جانب المنافع ، حيث يقوم بإدارتها مجموعة وليس شخصاً واحداً، ويمرّ فيها الزائر بين عالم الطب المادي وبين عالم الطب النبوي، وفوق ذلك فهي وسيلة دعوة وتعظيم للإسلام وعرض له ولمنافعه ومآثره وآثاره في الناس وفي حلّ مشكلاتهم بأحدث الوسائل وفي أشكل الأمور " قضايا الطب والمرض" لذلك لا مانع من بقائها على أن ترشّد وتسدد .
القسم الثاني: العيادات القرآنية التجارية:
وهي عيادات يديرها شخص واحد أو أشخاص محددة ، بغرض الاتجار بالعلاج بالقرآن لتدر عليهم المال حيث يفرضون على الزوار رسماً للدخول عليهم وإسماعهم القرآن من أفواههم أو تسجيلاتهم، على تفاوت بين الزائرين ومريدي العلاج ، فبعضهم يجعل له جلسات خاصة بسعر أعلى وأجر أغلى ، وبعضهم ينضمون إلى الجلسات العامة التي يعقدها المعالج لإسماعهم القرآن بسعر أقلّ .وهي إذا نظرنا إليها ودرسناها واستقرينا الشرع في حكمها وحال الأمة على العهد النبوي الشريف وعهد الراشدين والصحابة المرضيين والتابعين لهم بإحسان في القرون الخيرة وما بعدها، وبالنظر إلى ما تحققه من مصالح شرعية دينية ودنيوية، نجد أنّها لا يدعمها الشرع بقدر ما يطمئن القلب إلى عدم الإقرار للمحترفين احترافهم للتطبيب بالقرآن وإلى عدم مساندة الشرع لهم بذلك .
المبالغة في اتخاذ العيادات والتفرغ للتطبيب بالقرآن والدعاية لذلك والإعلام والإعلان عنه والسعي للاشتهار أنه مطبب موفَّق ليدرّ عليه ذلك المال الكثير ويجيء إليه بالزبائن والزوار من المرضى وغيرهم ، يُضعف التعلق بالقرآن ويقوّي التعلق بالشيوخ ، كما يضعف الاعتقاد بكَوْنِ أنّ القرآن هو الشفاء ويقوّي أن الشفاء في يد المعالج ، وهذا بلا ريب مفسدة في الدين
وعليه : ينصح هؤلاء بعدم احتراف التطبيب بالقرآن ، ولا ينبغي لمسترزق أن يجعل باب رزقه قراءة القرآن على المرضى .
بل يُنصح من ولاه الله أمر الأمة أن يضيّقوا على مثل هذه الممارسة بما يحقق مقصود الشرع في حفظ الملة ونصح الأمة.
فالذي يترجّح لنا أنّه يجب منع فتح العيادات بالصورة الواقعة اليوم ـ كما نرى ـ وقد انتشرت هذا النوع من العيادات في كل حي وفريق، واتخذ بعض الناس التطبيب بالقرآن مهنة وحرفة تدرّ عليهم المال الكثير .
ونؤكّد وجوب المنع أو التضييق على فتح العيادات وامتهان التطبيب بالقرآن واحتراف ذلك من عشرة وجوه شرعية، هي على النحو الآتي :
الوجه الأول:
أن المبالغة في اتخاذ العيادات والتفرغ للتطبيب بالقرآن والدعاية لذلك والإعلام والإعلان عنه والسعي للاشتهار أنه مطبب موفَّق ليدرّ عليه ذلك المال الكثير ويجيء إليه بالزبائن والزوار من المرضى وغيرهم ، يُضعف التعلق بالقرآن ويقوّي التعلق بالشيوخ ، كما يضعف الاعتقاد بكَوْنِ أنّ القرآن هو الشفاء ويقوّي أن الشفاء في يد المعالج ، وهذا بلا ريب مفسدة في الدين عظيمة يجب درؤها والتحرز منها . فالله تعالى لم ينسب الشفاء للقارئ أو المعالج وإنما نسب الشفاء للقرآن نفسه فقال ( وننَزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ) [9] وقال تعالى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) [10]. وقد جعل كون القرآن شفاء مطلقاً، والمطلق يتحقق بأي فرد من الأفراد ، ولم يقيّد كون القرآن شفاءً بنوع قارئ أو نوع قراءة . فلا ضرورة ولا حاجة لاتخاذ هذه العيادات بهذه الصورة النازلة واحتراف ذلك وجعله مهنة يسترزق منها.

ويا أسفاه على القائلين بأنّ القرآن حتى يكون شفاءً لمرضى المؤمنين يجب أن يكون من قارئ معالج قويّ ، وما حجتهم إلا قياسين ضعيفين لا يقويان على انتزاع كونية شفاء القرآن بذاته ، مما يقوّي الاعتقاد بل يجزمه عند كثيرين أنه لا شفاء في القرآن إلاّ بقراءة فلان أو علاَّن .
القياس الأول : أنهم قاسوا القرآن على سائر الأسلحة المادية البشرية الأرضية ، فيقولون: " القرآن سلاح والسلاح بضاربه ، فليس كل أحد يقدر على معالجة الناس بالقرآن بل لا بدّ أن يكون من أهل التطبيب بالقرآن ، لأن المعالجة محاربة ، والمحارب لا يتم له الانتصار على عدوه بالسلاح إلاّ بأمرين : أحدهما أن يكون السلاح صحيحاً جيداً في نفسه ، والثاني أن يكون الساعد قوياً ، فمتى تخلّف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل ".
ولا يخفى على عارف بالقرآن وأنه كلام الله عز وجل وهن هذا القياس، وشسوع الفارق بين المقيس والمقيس عليه وبُعد الشبه بينهما، كيف يُجعل نفع سلاح الحديد والخشب كنفع كلام الرب ؟ وكيف تُجعل قوة ما صنعه البشر كقوة كلام رب البشر؟؟؟ والحول والقوة كلها بالله!!.. فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم .
ولا يشك عالم بأوضاع سلاح البشر وصنعتهم أن كل سلاح مصنوع قاصر مفتقر إلى حامل يضرب به فلا يقوى بذاته وإنما يقوى براميه وضاربه .
ومما يؤكد ذاتية القرآن في الشفاء ما يفعله كثير ممن يمتهن حرفة التطبيب بالقرآن ، حيث يضع شريطاً مسجلاً بصوته "في الغالب" أو بصوت غيره "أحياناً" ويطلب من زواره ومرضاه أن يستمعوا إلى التسجيل، فلا يمكن أن يكون المسجل هو الرامي وهو الضارب، ولا شكّ أن قراءة المرء بنفسه خير من قراءة المسجل عليه ما استطاع القراءة.
القياس الثاني: أنهم قاسوا الاستشفاء بالقرآن باستجابة الدعاء، بجامع أن الدعاء لا يتحقق المراد منه لكل داع بمجرده ، وإنما يتحقق ويستجاب بقوة الداعي لا بذات الأدعية وألفاظها .
والجواب على ذلك من وجهين:
أولهما: أنّ الدعاء مع أنه سلاح المؤمن؛ إلاّ أن الشارع نفسه جعل استجابة الدعاء بشروط معينة وبيّن هذه الشروط ، وأنه لا يستجاب الدعاء لكل داع ، بل قد يتخلف عن بعض الداعين فقال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) [11]. والمشتهر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح أنه أخبر عن فئة من الناس يدعون ولم يستجيبوا لأمر الله فلم يستجب لهم ، حيث طعموا الحرام ولبسوا الحرام وأطعموا الحرام فقال صلى الله عليه وسلم عن هذا :" فأنَّىَ يُستجاب له " [12].
فدلّ ذلك على أنه قياس مع الفارق ، فالقرآن جعله الله تعالى شفاء للمؤمنين إخباراً وتقريراً من غير اشتراط ، فكل مؤمن يكون القرآن له هدىً ورحمة وشفاءً لمجرد أنه مؤمن , وليس الدعاء هكذا، فإنه لا يستجاب الدعاء للمؤمن لمجرد أنه مؤمن، وإنما تتطلب الاستجابة أمراً زائداً هو استجابته لأمر الله ليجيب الله دعاءه .
الوجه الثاني : أنّه لو صحّ القياس؛ فإنّ الدعاء المستجاب ليس له متفرغون يتخذون محالاً أو دوراً يستقبلون الناس يدعون لهم فيستجاب دعاؤهم ويأخذون على دعائهم أجراً وجعلاً مشروطاً، وإنما شروط استجابة الدعاء مطلوبة تحقيقها في كل داعٍ ، فلازم القياس على هذا أن يُطلب من مريد الاستشفاء بالقرآن أن يتحقق بشروطه من الإيمان الصادق بالله والتوكل عليه واليقين الجازم أن القرآن شفاء للمؤمنين .
اعتقاد الناس فيه بأنه مطبب موفق يفضي به في الغالب إلى طلب السمعة والرياء ، وإلى إغرائه بنفسه فيعجب بها ويظن أنه بلغ مبلغاً يصلح به أن يكون واسطة بينهم وبين الله ،
الوجه الثاني : من أدلة منع العيادات:
أنّ اعتقاد الناس فيه بأنه مطبب موفق يفضي به في الغالب إلى طلب السمعة والرياء ، وإلى إغرائه بنفسه فيعجب بها ويظن أنه بلغ مبلغاً يصلح به أن يكون واسطة بينهم وبين الله ، وطريقاً لهم إلى ما عند الله ، فيقعون في مستنقع الشرك والمعصية ، شرك الرياء ومعصية العجب، كيف بهؤلاء بالله وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يسأله أمام يصلي بالناس أن يدعو لهم عقب الصلوات المكتوبة ، فنهاه عن ذلك لمظنة أنه سيفضي به إلى العجب والرياء فقال له:"لا، إنّي أخشى أن يصل بك إلى الثريا "[13].

الوجه الثالث :

أنّ اتخاذ العيادات للعلاج بالقرآن ، هو من باب الاعتقاد ، إذ يتعلق بالاعتقاد بكون القرآن شفاء ويتعلق بالاعتقاد بالجن وأنهم يضرون ويمسون ويدخلون في جسم الآدمي ، فهو إذن من باب الاعتقادات، والقاعدة المعروفة: أن الأصل في الأمور الاعتقادية الحظر والمنع والتوقيف، فلا يجوز أن يفعل شئ أو يؤذن بفعل شئ إذا كان متعلقاً بالعقيدة إلاّ بدليل واضح من الشرع يسمح بذلك، لا على الجملة وإنما على الخصوص، وإلاّ وجب الامتناع من مريده، وإلاّ فالمنع بطريق السلطان وولاة أمر المسلمين المعنيين بحراسة الدين وحفظ الملّة على الأمّة . فإنه لا دليل من كتاب أو سنة على خصوص جواز اتخاذ العيادات وفتح محلات العلاج بالقرآن وأن يكون ذلك خدمة يتاجر بها ويؤاجر لها .
ولا يصلح الاستدلال بالنصوص العامة في كون القرآن علاجاً ، لأنّ الأصل الممنوع أقوى من أن يلغيه دليل عام ، لهذا يحتاج إلى دليل خاص يدفع المنع ويرفع الحظر ويأتي بالإذن والجواز.
الوجه الرابع:
أن اتخاذ العيادات وامتهان التطبيب بالقرآن والتفرغ لذلك محدث مبتدع في زماننا لم يعرف قط في عهود المسلمين السابقة منذ العهد النبوي الشريف ومروراً بالعهد الراشد ولم يكن موجوداً قائماً في القرون الخيرة وما مارس ذلك الصحابة رضوان الله عليهم كما يمارسه بعضنا اليوم ولم يعرف ذلك في زمان التابعين ولم يكن معهوداً في أعصار تابعي التابعين أو تابعيهم إلى زماننا هذا ، فظهر في هذا الزمان وتُوُسِّع فيه إلى هذه الدرجة التي نجدها بمعدل عيادة قرآنية في كل حي وفريق .
فهذه العيادات بهذه الصورة المحدثة اليوم بدعة ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وما أقرّ من فعلها أو مارسها ، ولم يفعلها أصحابه رضوان الله عليهم ، وما فعلها التابعون ولا تابعوا التابعين ، وغيرهم ، ذلك كله مع قيام المقتضي ، والمعلوم عند أهل الأصول أن البدعة هي ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له. فلا شكّ أن الناس من سلف الأمة كانوا أحوج لأن يتفرغ الأخيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالجون الناس بالقرآن ، أو أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم داراً يخصصه لمعالجة الناس بالقرآن ، وذلك لما كان يرجى في الرسول قطعاً لبركته وإجابة دعائه وقبول شفاعته وطلبه للشفاء ، أكثر مما يرجى في الشيوخ المقرئين المتفرغين للتطبيب اليوم بلا شك . مما يؤكد أنه مع وجود المقتضي لإنشاء العيادات والتفرغ لذلك لم يفعل ، فدلّ أنه بدعة أقلها الكراهة إنْ لم تكن بدعة محرمة .
الوجه الخامس:
أن الأصل في التداوي بالقرآن قراءة المرء لنفسه ، والدليل على ذلك كثير منه:
1ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوِّذات ومسح عنه بيده " [14].
2- حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوّذات ، فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه بهن، فأمسح بيد نفسه لبركتها " [15].
3-حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن ) [16].
ووجه الدلالة: أنه توجيه نبوي لكل مسلم أن يستشفي بالعسل والقرآن ، وكما أنه يعلم أن العسل يشرب ولا يحتاج إلى غيره في شرب العسل ، كذلك في الاستشفاء بالقرآن يعلم أنه إنما يكون ذلك بقراءة القرآن على نفسه ، إلا أن يكون المرض متمكناً منه فيحتاج إلى غيره ، ولكن ليس هذا هو الأصل المستمر الذي لأجله يحتاج جماهير الناس أن تفتح لهم عيادات يجلس فيها مختصون بقراءة القرآن والتطبيب به، لا شك أن هذا خلاف الأصل وأنه طارئ . بل حتى لو احتاج لغيره فلا اضطرار أن يكون هذا الغير هو المعالج المتفرغ . بدليل أن عائشة رضي الله عنها لما أثقل المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه كانت تقرأ عليه ولم تستدعِ القراء أو المطببين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
4- حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سواداً كثيراً سدّ الأفق ، فرجوت أن تكون أمتي ، فقيل هذا موسى وقومه ، ثم قيل لي انظر فرأيت سواداً كثيراً سدّ الأفق ، فقيل لي : انظر هكذا وهكذا فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق ، فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ، فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ، ولكنا آمنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ) الحديث [17]. ومما يوافق هذا الحديث حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما توكّل من استرقى أو اكتوى ) ([18]).
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه يحث على عدم الاسترقاء ، وهو طلب الرقية من الغير، بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب الاسترقاء نفياً للتوكل يخرج من يسترقي عن المتوكلين ، مما يدلّ على أن السعي لطلب الرقية والعلاج بالقرآن من الغير غير محبوب في الشرع وصاحبه خارج عن صنوف المتوكلين.
وأقلّ ما في هذين الحديثين أن الأفضل هو عدم الاسترقاء ـ أي أن لايطلب الرقية من أحد غيره ـ والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه وغيره ، ولكنه ما كان يطلب الرقية من أحد ، فتحقق صلى الله عليه وسلم بما أرشد إليه أمته وأقام نفسه على أفضل الأحوال وهو عليه الصلاة والسلام أول المسلمين في كل خير وفضيلة وخلق عظيم ([19]).
5- ما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: " إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحيفة وليغسلها بماء السماء وليأخذ من امرأته درهماً عن طيب نفس منها فليشتر به عسلاً فليشربه كذلك فإنه شفاء " ([20]).
وهذا توجيه منه رضي الله عنه لمريد الاستشفاء أن يمارس المطلوب بنفسه فيطبب نفسه بالقرآن.
6- ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن سحيم بن نوفل قال: " كنا عبد الله بن مسعود فجاءت أمه رجلاً فقالت له : ما يجلسك؟ إن فلاناً قد لقع فرسك لقعة فلم يأكل ولم يشرب ولم يرث منذ كذا ، وهو يدور كأنه في فلك، فالتمس له راقياً . قال عبد الله : " لا تلتمس له راقياً ، ولكن أبزق في منخره الأيمن ثلاثاً وفي منخره الأيسر ثلاثاً وقل : بسم الله لا بأس اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي إنه لا يذهب الكرب إلاّ أنت " قال: فأتاه الرجل فصنع ، ثم قال : ما رجعت حتى أكل وشرب ومشى وراث "([21]).
7- حديث زينب امرأة عبد الله عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني ، فإذا رقاني سكنت . فقال عبد الله : إنما ذاك عمل الشيطان ، كان ينخسها بيده فإذا رقاها كفّ عنها ، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اذهب الباس رب الناس أشف أنت الشاف لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) ([22]).
والدلالة واضحة على أن المنهج الذي كان مسلوكاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أولوية معالجة المرء نفسه مما يدلّ على أن الأصل في التداوي بالقرآن قراءة المرء بنفسه ما أمكن.
وعليه: فإنْ كان الأصل هو مداواة المرء نفسه وقراءته على نفسه ، فلا معنى للإكثار من العيادات ولا حاجة لتفرغ فئة معينة من المقرئين يفتحون العيادات ويستقبلون المتداوين ومريدي الاستشفاء بالقرآن .
الوجه السادس :
أن الأصل في التداوي والتعالج اللجوء للطب المعروف: وما يدلّ عليه أمور ونصوص، منها:
1ـ حديث عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا رقية إلاّ من عين أو حمة ) ([23]). فهذا الحديث حصر ما تجوز فيه الرقية من الأمراض في العين والحمة ، ومقتضى ذلك أن غير العين والحمة [24]يلجأ فيه إلى الطب المعروف .
2ـ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في روايات عديدة أنه رخّص في الرقية بعدما كرهها ..
ـ ففي صحيح البخاري تقول عائشة : " رخّص النبي صلى الله عليه وسلم الرقية من كل ذي حمة "([25]).
ـ حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص في الرقية من الحمة والعين والنملة " ([26]).
3ـ أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته الشريفة في مرض نفسه ومع المرضى وابتداؤه بالطب المعروف قبل اللجوء إلى المعالجة بالقرآن وبالرقى .
ما يرتكب في كثير بل أكثر هذه العيادات من المحظورات والمنكرات الشرعية كافٍ لمنعها منعاً باتاً وحظرها ديانة وسياسة،
ـ عن سهل بن سعد أنه سئل : بأي شئ دوي جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" ما بقي أحد أعلم به مني ، كان عليّ يأتي بالماء في تُرسه ، وفاطمة تغسل عنه الدم وأحرق له حصير فحشى به جرحه " ([27]).
ـ عن أنس : أن ناساً كان بهم سقمٌ قالوا : يا رسول الله آونا وأطعمنا . فلما صحوا قالوا : إن المدينة وخمة ، فأنزلهم الحرة في زود له ، فقال : " اشربوا من ألبانها "الحديث ([28]).
ـ عن أنس أن ناساً اشتووا في المدينة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعيه ـ يعني الإبل ـ فيشربوا من ألبانها وأبوالها " فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم " الحديث ([29]).
ـ عن أبي سعيد قال :جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه فقال : اسقه عسلاً . فسقاه ثم جاء فقال : يا رسول الله قد سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً .فقال صلى الله عليه وسلم: ( اسقه عسلاً ) فسقاه ثم جاءه فقال : يا رسول الله! قد سقيته عسلاً فلم يزده إلاّ استطلاقاً " فقال صلى الله عليه وسلم : ( صدق الله وكذب بطن أخيك ) [30]. ووجه الدلالة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره بغير العلاج بالقرآن ، ينصحه الاكتفاء بالعسل ، وهو من العلاج المادي ، إذ ليس هو من العلاج بقراءة القرآن أو الرقية به.
ـ عن جابر رضي الله عنه قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُبيّ بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه " [31]. وهو صريح على المطلوب .
ـ حديث زيد بن أسلم أن رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح فاحتقن الجرح الدمَ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له رجلين من بني أنمار فقال : ( أيّكم أطب ) فقال رجل : يا رسول الله أو في الطب خيرٌ؟ فقال له : ( إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ) [32].
ـ حديث هلال بن يساف قال : جرح رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : ( ادعو له الطبيب ) فقالوا : يا رسول الله! هل يغني عنه الطبيب ؟ قال : ( نعم ، لم ينزل داءٌ إلاّ أنزل معه شفاء ) [33].
وعلى هذا فالأحاديث العامة المشهورة ( تداووا عباد الله ) وحديث ( ما أنزل الله داءً غلا أنزل له شفاء ) . كلها مفسرة بحديث هلال بن يساف وزيد بن أسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم إنما أرشد بالتداوي بالطب المعروف ، مما يؤكد أن الأصل في التداوي أن يُتداوى بالطب المعروف .
وعليه : فالإكثار من العيادات والتفرغ فيها لمعالجة الناس بالقرآن ، على خلاف الأصل الشرعي الغالب في دين الإسلام وسنة رسول الإسلام والمتبعين له بإحسان، بما يجعل التداوي بالقرآن أمراً أندر من التطبب المادي المعروف ويكون عرضاً من غير ما يحتاج له إلى فتح عيادات وتخصيص أماكن وامتهان واحتراف وغير ذلك مما بالغ فيه الناس اليوم وابتدعوه.
الوجه السابع:
أنّ من موجب المنع والتضييق هو الدليل الشرعي المعتبر المعمول لدى جميع الأئمة الكرام المتبوعين "سد الذرائع".
فإنّ ما يرتكب في كثير بل أكثر هذه العيادات من المحظورات والمنكرات الشرعية كافٍ لمنعها منعاً باتاً وحظرها ديانة وسياسة، حتى لو كانت هذه العيادات في نفسها مباحة وفي أصلها مسموحاً بها ، إذ سدّ الذرائع إنما يكون سداً لذرائع في أصلها مباحة سدت لأنها توصل وتفضي إلى المحظور والمحرم .
وما يقع اليوم في كثير من هذه العيادات دليل على أنها ذرائع إلى المحظور يجب سدّها ومنعها حسماً للفساد وقطعاً لدابره. وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر بعض هذه الممارسات الشائنة والمنكرات الفظيعة باسم القرآن وتحت ستاره وشعاره:
1ـ ما ثبت يقيناً ورُصد قطعاً من أنّ بعض المعالجين ـ لا أسميهم شيوخاً لسوء ما يفعلون ـ يستغل ظروف المرضى خاصة من النساء والفتيات بواسطة شياطينه ، وهو أشدّ منهن مرضاً ، فيطلب من إحداهن حينما تصل حال معينة أن تخلع لباسها وأن هذا طلب السيد والروح، وقد يتمكن من مواقعة الفاحشة وقد يعجز ويفشل.
2ـ ما يحدث في كثير من هذه العيادات من اختلاء المعالج بالمرأة خلوة محرمة تمكنه من فعل كل سوء وفاحشة.
3ـ ما حدث بما أعرفه أنا يقيناً أن أحدهم في بلد ما باسم العلاج بالقرآن كان يختلي بنساء الأثرياء واحدة واحدة يؤملهن في الولد لمن حرمت الولد، وفي حياة زوجية سعيدة مع أزواجهن الأثرياء فيواقع معهن الرذيلة والزنا والشيطان يسول لهن أنهن مضطرات لهذا المنكر الفظيع، حتى انكشف أمرهن بولادة بعضهن ممن كان أزواجهن مصابين بالعقم ، فهُرِّب على جُنح الظلام حتى لا تقطع رقبته .
4ـ ما يحدث في أثناء الجلسات من تكشف للنساء وظهور ما يجب ستره وتغطيته من عوراتهن وأمام المعالجين، وما يمكّن الجنّ والشيطان بالتلاعب بهؤلاء إلى درجة سبّ الدين والقول في الله ما لا يليق والبذاءة وفحش الحديث وغير ذلك من الشرور والفجور.
فأصبحت العيادات بؤراً للفساد ومستنقعات للشرور والفجور والمعاصي من غير ضرورة تقتضي ذلك أو حاجة تتطلبها. فوجب سدّ جميع هذه الذرائع حسماً لكل هذا الفساد وإيقافاً للإفساد المستطير.
الوجه الثامن :
أنّ هذه العيادات أصبحت سبباً خطيراً في إهانة القرآن العظيم ، والقرآن حقه التعظيم وحقه التكريم ، فهو كلام الله تعالى ، وهو دستور الأمة ، وأصل الأصول الشرعية ومصدر مصادرها كلها ، فالواجب على جميع المؤمنين أن يسعوا في تعظيم القرآن ، فلو وجدوا سبيلاً يؤدي إلى إهانة كتاب الله عز وجل ؛ وجب عليهم المسارعة إلى قطع هذا السبيل المهين للقرآن ، مهما كان هذا السبيل .
والعيادات صارت ـ في الحقيقة ـ هي السبيل الأوسع لإهانة القرآن الكريم ، ذلك بسبب أنّ ممارسة التطبيب بالقرآن وفتح عيادات القرآن العلاجية التجارية أصبح متاحاً لكل الناس ، فولج هذا السبيل كل من هبّ ودبّ ، صالحاً كان في نفسه أو طالحاً ، رشيداً كان أو سفيهاً ، عالماً كان أو جاهلاًَ ، عاقلاً كان أو مخبولاً ، عاملاً كان أو باطلاً، عدلاً كان أو فاسقاً ، كلّ من هبّ ودبّ صار اليوم معالجاً بالقرآن يحفظ من كتب العلاج بالقرآن بعض آيات الشفاء يرددها فيمتلك عيادة يرتادها الناس يفرض على زواره رسوماً وأجراً ليردد عليهم تلك الآيات التي حفظها في ساعة من نهار قصير.
إنّ من هؤلاء الذين يديرون تلك العيادات من لا عمل له وعجز عن إيجاد وظيفة له أو مصدر رزق ، فلجأ إلى فتح عيادة قرآنية ..
من هؤلاء من عجز عن الحصول على زوجة ترضى به زوجاً ، ففتح عيادة قرآنية ليختار من مرضاه وزواره امرأة يتزوجها ..
ومن هؤلاء من عجز عن الحصول على زوجة ترضى به زوجاً ، ففتح عيادة قرآنية ليختار من مرضاه وزواره امرأة يتزوجها ..
ومن هؤلاء من لا علم له لا بالقرآن ولا بالسنة ولا فقه لديه بل هو من أجهل الناس وأقلهم فهماً وأكثرهم فسقاً وأبعدهم ضلالاًَ ، وأوسعهم احتيالاً، ملّته السجون، وأغواه المجون ، وعافته الظنون ، وفتح له أحضانه الجنون ، فبدل أن يشكر ربه الرحيم به آذى الله ورسوله والمؤمنين بإيذاء القرآن وإحقاره ..
ومن هؤلاء من هو في نفسه مريض نفسياً وضعيف عقلياً فيفتح له إخوانه عيادة قرآنية يملأ به فراغه ويقضي فيه وقته ، ولِمَ لا؟ حيث لا يكلفه ذلك إلاّ أن يردد بعض آيات الشفاء التي حفظها في كل جلسة ولكل مرض ومع كل مريض ، فما أسهل هذا لجميع فئات وطبقات الناس ممن يريد أن يمارس هذه المهنة المهينة لكتاب ربي عز وجل ؟؟؟؟ !!!...ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم..
هل يا أخا الإسلام هذا حق القرآن علينا ؟! ...
هل يا أخ الإيمان من ضرورةٍ لبقاء هذه العيادات وهي التي تسبب كل هذه الإهانة والتحقير لقرآننا؟؟!! ...
يا محب القرآن! أليس الواجب أن نسارع بإيصاد أبواب هذه العيادات وقفلها ومنعها ؟؟! لتحرير القرآن من أسر هؤلاء الدهماء ، وإبطال هذا المكر السئ الذي أحيق به ، ومحو الهوان الذي لحق به بمنع هؤلاء وغيرهم من إهانة القرآن ثانية؟؟؟!!..
الوجه التاسع:
أنّ فتح هذه العيادات فتح باباً واسعاً لممارسة الشعوذة والدجل باسم العلاج بالقرآن ، وكم ممن يزعم التطبيب بالقرآن وهو من أهل الشعوذة وأرباب الدجل ، فيضل الناس ، وكم ممن يزعم أنه معالج بالقرآن منتسياً إلى أهل الصلاح والولاية عليه لبوس أهل العلم ، وهو يلبّس الحق بالباطل ، ويمشي في الناس بالإفساد ، فيستجيب للنفاثات في العقد ويتعاون على الإثم والعدوان يفرق بين المرء وزوجه، كل ذلك باسم القرآن والعلاج بالقرآن.
ومن العسير جداً التفريق بين المشعوذ والمعالج والدجال ، مما تطلب حماية الناس من هؤلاء وغشهم وخداعهم وضرهم وشرورهم ، ولا سبيل إلاّ منع العيادات أو التضييق عليها .
الوجه العاشر:
هؤلاء المعالجين ـ في غالبيتهم ـ يمارسون التطبيب بطريقة جعلوا بها كل أمراض الناس بسبب كيد الشيطان والجن ، وأوحوا إلى مرضاهم نيابة عن جنود إبليس أجمعين أن الجن والشيطان متمكن من الإنسان يدخل فيه كيفما شاء ووقتما شاء ، ويصنع به ما يريد
أن في اتخاذ هذه العيادات تعظيماً للشيطان وأوليائه وكيده ، وتمكيناً لهم لتخويف العامة والدهماء حتى يجعلهم أولياءه كما يقول المولى عز وجل ( إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )[34] ، مع أن القرآن الكريم يسفه أمر الشيطان ويحقر شأنه ويُضعف كيده ويشكك في قدرته على الكيد للإنسان كما في قوله تعالى ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) [35].
ولكن هؤلاء المعالجين ـ في غالبيتهم ـ يمارسون التطبيب بطريقة جعلوا بها كل أمراض الناس بسبب كيد الشيطان والجن ، وأوحوا إلى مرضاهم نيابة عن جنود إبليس أجمعين أن الجن والشيطان متمكن من الإنسان يدخل فيه كيفما شاء ووقتما شاء ، ويصنع به ما يريد مهما كان هذا الإنسان محصناً طاهراً أو ذاكراً شاكراً ، أو تالياً ماهراً ولو كان من عباد الله المخلصين ، مع أنّ الله تعالى يقرر نافياً تمكن الشيطان من إغواء المخلصين من عباده والإضرار بهم كما قرر ذلك الشيطان بنفسه
( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين ) [36]. وكما قرر المولى عز وجل في سائر عباده إلاّ أهل الغواية فقال تعالى : ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتبعك من الغاوين ) [37]. وقال تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون
ومع هذا التصريح الإلهي بضعف كيد الشيطان وخصوصية تمكنه من الناس في أصناف أربعة :
أ ـ الغاوون من أتباعه..
ب ـ غير المؤمنين ..
ج ـ غير المتوكلين ..
د ـ الذين أشركوا به مع الله ..
وهؤلاء الأصناف لا يكون القرآن شافياً لهم ومعالجاً لأمراضهم ، والله تعالى يقرر ذلك في خبر يقين من قوله تعالى ( قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى )[38].
وغير هؤلاء من أصناف المؤمنين وعباد الله جميعاً يسعى كثير من هؤلاء المعالجين إلى تخويفهم بالشيطان وتعظيم كيده عليهم ، وهذا مخالفة صريحة لخبر الله اللطيف الخبير العالم بما خلق .
الخاتمة والتوصيات:
في آخر هذه المذكرة أرجو أنْ أنبه إلى أنني لا أمنع العلاج بالقرآن ، ولكني أدعو إلى ترشيد طرائق العلاج بالقرآن .كما أنني أدعوا إلى تحديد الصور التي ينبغي أن نتبعها والحدود التي يجب أن نلتزمها دون التعدي عليها والتي يمكنني أن أعبّر عنها بكلمة واحدة هي " التزام صور الصحابة وسلف الأمة الصالح".
وأرجو أنْ أنبّه إلى أنّ جميع الوجوه الشرعية العشرة التي ذكرتها هي في الحقيقة بمثابة الأدلة والأصول الشريعة التي انتهت بنا إلى:
1ـ أن مفاسد بقاء العيادات القرآنية التجارية والشخصية أعظم وأشد من مصالحها ومنافعها .
2ـ أن هذه العيادات في غالبيتها بؤر للفساد والإفساد في المجتمع فوجب سدّ هذه الذرائع وحسمها.
3ـ أن هذه العيادات تكريس للضلالة في الدين وتشويه العقيدة في الجن والشياطين .
4ـ أن هذه العيادات ملجأ البطالين وأصحاب الأغراض الدنيئة والمقاصد الفاسدة المهينة.
5ـ أن هذه العيادات والتوسع فيها أدت إلى التلاعب في الدين باسمه وإهانة القرآن وتحقير شأنه .
وغير ذلك من الحقائق التي بواحدة منها ما تردد أهل الشريعة من العلماء والفقهاء في الحكم والفتيا فيها بالمنع والحظر والتحريم .
ولهذا :
فإني أدعو أهل الولاية والأمر فينا إلى المسارعة في حظر ممارسة التطبيب في العيادات القرآنية ، وأن يضعوا من بعد ذلك الضوابط المشددة والمفصلة في التأهل لممارسة التطبيب بالقرآن وطرق التطبيب وأوقاته وشروطه ورسومه وغير ذلك.
والله ولي التوفيق الموفق للحق والصواب..
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. ....... أ . د. عبد الله الزبير عبد الرحمن
 العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن .... Quran
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://zana.ahlamontada.net
 
العيادات القرآنية وحدود التطبيّب بالقرآن ....
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى زانة الثقافي :: فتاوى وأسئلة-
انتقل الى: